responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 529
فَإِنْ قَالُوا: لِمَ كَانَ حَمْلُ التَّخْصِيصِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِ الْكَلَامِ عَلَى اعْتِقَادِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ؟
قُلْنَا: لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّهُ مَهْمَا وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْمَجَازِ وَبَيْنَ التَّخْصِيصِ، فَالتَّخْصِيصُ أَوْلَى بِالْحَمْلِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: نُقِلَ عن أب بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: فِي مَانِعِي الزَّكَاةِ لَا أُفَرِّقُ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّه، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ كَانَ هَذِهِ الْآيَةَ، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ بِتَخْلِيَةِ سَبِيلِهِمْ إِلَّا لِمَنْ تَابَ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ، فَأَوْجَبَ مُقَاتَلَةَ أَهْلِ الرِّدَّةِ لَمَّا امْتَنَعُوا مِنَ الزكاة وهذا بين أَنْ جَحَدُوا وُجُوبَهَا أَمَّا إِنْ أَقَرُّوا بِوُجُوبِهَا وَامْتَنَعُوا مِنَ الدَّفْعِ إِلَيْهِ خَاصَّةً، فَمِنَ الْجَائِزِ أَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى وُجُوبِ مُقَاتَلَتِهِمْ مِنْ حَيْثُ امْتَنَعُوا مِنْ دَفْعِ الزَّكَاةِ إِلَى الْإِمَامِ.
وَقَدْ كَانَ مَذْهَبُهُ أَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ دِينِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا يُعْلَمُ سَائِرُ الشَّرَائِعِ الظَّاهِرَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَدْ تَكَلَّمْنَا فِي حَقِيقَةِ التَّوْبَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي قَوْلِهِ: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ [الْبَقَرَةِ: 37] رَوَى الْحَسَنُ أَنَّ أَسِيرًا نَادَى بِحَيْثُ يُسْمِعُ الرَّسُولَ أَتُوبُ إِلَى اللَّه وَلَا أَتُوبُ إِلَى مُحَمَّدٍ ثَلَاثًا، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: عَرَفَ الْحَقَّ لِأَهْلِهِ فَأَرْسِلُوهُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ قِيلَ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَقِيلَ إِلَى التَّصَرُّفِ فِي مُهِمَّاتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ. وَفِيهِ لَطِيفَةٌ وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى ضَيَّقَ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ الْخَيْرَاتِ وَأَلْقَاهُمْ فِي جَمِيعِ الْآفَاتِ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُمْ لَوْ تَابُوا عَنِ الْكُفْرِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَقَدْ تَخَلَّصُوا عَنْ كُلِّ تِلْكَ الْآفَاتِ فِي الدُّنْيَا، فَنَرْجُو مِنْ فَضْلِ اللَّه أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْضًا فَالتَّوْبَةُ عِبَارَةٌ عَنْ تَطْهِيرِ الْقُوَّةِ النَّظَرِيَّةِ عَنِ الْجَهْلِ، وَالصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ عِبَارَةٌ عَنْ تَطْهِيرِ الْقُوَّةِ الْعَمَلِيَّةِ عَمَّا لَا يَنْبَغِي وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَمَالَ السَّعَادَةِ منوط بهذا المعنى.

[سورة التوبة (9) : آية 6]
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6)
فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي تَقْرِيرِ وَجْهِ النَّظْمِ نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِنْ أَرَدْنَا أَنْ نَأْتِيَ الرَّسُولَ بَعْدَ انْقِضَاءِ هَذَا الْأَجَلِ لِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّه أَوْ لِحَاجَةٍ أُخْرَى فَهَلْ نُقْتَلُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: «لَا» إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ أَيْ فَأَمِّنْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّه، وَتَقْرِيرُ هَذَا الْكَلَامِ: أَنْ نَقُولَ: إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَوْجَبَ بَعْدَ انْسِلَاخِ الْأَشْهُرِ/ الْحُرُمِ قَتْلَ الْمُشْرِكِينَ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حُجَّةَ اللَّه تَعَالَى قَدْ قَامَتْ عَلَيْهِمْ وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الرَّسُولُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الدَّلَائِلِ وَالْبَيِّنَاتِ كَفَى فِي إِزَاحَةِ عُذْرِهِمْ وَعِلَّتِهِمْ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ لَوْ طَلَبَ الدَّلِيلَ وَالْحُجَّةَ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، بَلْ يُطَالَبُ إِمَّا بِالْإِسْلَامِ وَإِمَّا بِالْقَتْلِ، فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْكَلَامُ وَاقِعًا فِي الْقَلْبِ لَا جَرَمَ ذَكَرَ اللَّه هَذِهِ الْآيَةَ إِزَالَةً لِهَذِهِ الشُّبْهَةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ بَيَانُ أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا جَاءَ طَالِبًا لِلْحُجَّةِ وَالدَّلِيلِ أَوْ جَاءَ طَالِبًا لِاسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ إِمْهَالُهُ وَيَحْرُمُ قَتْلُهُ وَيَجِبُ إِيصَالُهُ إِلَى مَأْمَنِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِ الْقَتْلِ قَبُولُ الدِّينِ وَالْإِقْرَارُ بِالتَّوْحِيدِ، وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ النَّظَرَ فِي دِينِ اللَّه أَعْلَى الْمَقَامَاتِ وَأَعْلَى الدَّرَجَاتِ، فَإِنَّ الْكَافِرَ الَّذِي صَارَ دَمُهُ مُهْدَرًا لَمَّا أَظْهَرَ مِنْ نَفْسِهِ كَوْنَهُ طَالِبًا لِلنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ زَالَ ذَلِكَ الْإِهْدَارُ، وَوَجَبَ عَلَى الرَّسُولِ أَنْ يُبْلِغَهُ مَأْمَنَهُ.

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 15  صفحة : 529
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست